تؤدي ما يطلق عليها أحداث “البجعة السوداء” إلى اضطرابات مالية قد تفضي إلى انهيار السوق، والركود الاقتصادي، وتحولات جوهرية في شهية المخاطرة، وربما زيادة القيود التنظيمية.
تشير تسمية “البجعة السوداء” إلى ندرة الحدث، تمامًا مثل ولادة بجعة باللون الأسود، والتي يُعتقد أنها ظاهرة لم تحدث من قبل وهناك شبه استحالة في تحققها على أرض الواقع. وتسلط هذه التسمية الضوء على أن الأحداث التي ربما نعتبرها نادرة للغاية أصبحت شائعة الحدوث بوتيرة لم نكن نتخيلها من قبل.
لذلك تعد إدارة المخاطر بكفاءة، والتي تتضمن تدابير مثل التنويع، واختبار الإجهاد، والتحوط من المخاطر، والحفاظ على السيولة، مفتاحًا أساسيًا للتخفيف من آثار أحداث البجعة السوداء
أحداث البجعة السوداء في الأسواق المالية
تزدهر الأسواق المالية في الفترات التي يسهل فيها على المستثمرين التنبؤ بمجرياتها. يفحص المحللون في هذه الفترات البيانات بدقة كبيرة، بينما توجه المؤشرات الاقتصادية قرارات الاستثمار صوب المسار الصحيح، فيما تستهدف استراتيجيات إدارة المخاطر التخفيف من الخسائر المحتملة. ولكن في ظل هذا العالم القائم على دقة الاحتمالات ووضوح الإحصاءات، تقع أحداث خارج الحسابات تمامًا – البجعة السوداء.
ما هو حدث البجعة السوداء؟
يشير حدث البجعة السوداء إلى حدث غير متوقع تمامًا، ولكن يكون لوقوعه تأثير هائل على الأسواق المالية والاقتصاد بشكل عام. يعود الفضل في صك هذا المصطلح إلى نسيم نيكولاس طالب في كتابه “البجعة السوداء” الصادر في عام 2007. السمة الرئيسية لهذه الأحداث هي أنها نادرة للغاية ولكن عواقبها شديدة. تقع هذه الأحداث خارج نطاق التوقعات المعتادة، حيث تتحدى الأنماط التاريخية وتُحطم النماذج الراسخة للمخاطر. وبرغم أن هذه الأحداث من المفترض أن تكون إيجابية أو سلبية، إلا أن هذا المصطلح يرتبط عادةً بتأثيرات سلبية واسعة النطاق.
في سياق الأسواق المالية، تؤدي أحداث البجعة السوداء غالبًا إلى وقوع اضطرابات حادة في السوق تؤثر على أسعار الأسهم والمؤسسات المالية وثقة المستثمرين. وكما يوحي التعريف الذي ذكرناه آنفًا، تختلف أحداث البجعة السوداء عن تقلبات السوق المعتادة حيث تُخالف التوقعات المقبولة وتقنيات النمذجة المتعارف عليها. على سبيل المثال، تعجز الأدوات القياسية لإدارة المخاطر عن استيعاب تداعيات أحداث البجعة السوداء، وهو ما يتطلب اتباع استراتيجيات بديلة. وبرغم استحالة التنبؤ بوقوع هذه النوعية من الأحداث النادرة، إلا أن استيعاب المفهوم نفسه يعتبر بالغ الأهمية بالنسبة للمستثمرين الذين يسعون لحماية محافظهم من التقلبات الحادة.
أمثلة تاريخية على أحداث البجعة السوداء
يمتلئ التاريخ المالي بالعديد من أحداث البجعة السوداء التي أعادت تشكيل الأسواق المالية والاقتصادات. نسرد فيما يلي بعض الأمثلة البارزة:
الكساد العظيم (1929): أدى انهيار سوق الأوراق المالية في عام 1929، والذي تسبب فيه تضافر عوامل عديدة مثل المبالغة الشديدة في تقييم الأسهم، والإفراط في ديون الهامش، وغياب اللوائح التنظيمية، إلى دفع الاقتصاد العالمي إلى هاوية سحيقة من الركود، وهي فترة شهدت مشاكل اقتصادية غير مسبوقة. الاثنين الأسود (1987).
الاثنين الأسود (1987): انهارت أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم يوم 19 أكتوبر 1987، حيث خسر مؤشر داو جونز الصناعي نحو 22.6% من قيمته في يومٍ واحد. يُطلق على هذا الحدث “الاثنين الأسود”، ومثل مفاجأة صاعقة للمتداولين والاقتصاديين، كما أسفر عن خسائر مالية ضخمة.
هجمات 11 سبتمبر (2001): أحدثت الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 صدمات هائلة في شرايين الأسواق العالمية، وأدت إلى انخفاض حاد في أسعار الأسهم وتقلبات غير مسبوقة. وسلط هذا الحدث الضوء على ضعف الأنظمة المالية في مواجهة الأحداث غير المتوقعة.
الأزمة المالية العالمية في 2008: تُعد الأزمة المالية التي وقعت في عام 2008 واحدة من أحداث البجعة السوداء التي يكثر الاستشهاد بها في التاريخ الحديث. اندلعت الأزمة نتيجة انهيار فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة، وإفلاس بنك ليمان براذرز، والذي أدى إلى تجميد قنوات الائتمان المصرفي، مما أسهم في انتشار الأزمة كالنار في الهشيم عبر مختلف الأنظمة المالية حول العالم. وشملت التأثيرات اللاحقة خسائر فادحة في أسواق الأسهم، وحالات إفلاس واسعة النطاق، وركود اقتصادي حاد في العديد من البلدان حول العالم.
جائحة كوفيد-19 (2020): تعتبر جائحة كوفيد-19 هي الأخرى واحدة من أبرز الأمثلة على أحداث البجعة السوداء في التاريخ المعاصر، حيث أحدثت صدمة غير مسبوقة في الأسواق المالية العالمية. تسببت عمليات الإغلاق، وتعطل الإنتاج، وقيود السفر، في اضطرابات واسعة النطاق. وتهاوت أسواق الأسهم مع اندفاع المستثمرين لتقييم الآثار الكاملة لانتشار الوباء، وهو ما حفز ركود اقتصادي عالمي وزيادة هائلة في مستوى التذبذب. كما أكدت الجائحة على الترابط الوثيق بين الصحة العالمية والأسواق المالية.
توضح الأمثلة التي ذكرناها أعلاه الطبيعة الكارثية وغير المتوقعة لأحداث البجعة السوداء، والتي غالبًا ما تكشف عن نقاط ضعف جوهرية في الأنظمة المالية كان من الصعب اكتشافها خلال فترات الاستقرار.
الخصائص والتعريف
تقاوم أحداث البجعة السوداء بحكم التعريف فكرة سهولة التنبؤ بها. برغم ذلك، قد تقدم هذه الخصائص بعض الدلائل:
الندرة: تتميز أحداث البجعة السوداء بانها نادرة للغاية، مما يعني أنها تقع خارج حدود التوقعات العادية ونماذج التنبؤ التقليدية. فعلى عكس تقلبات السوق المعتادة، لا يمكن للمحللين توقع هذه الأحداث بسهولة عن طريق استخدام البيانات التاريخية.
التأثير الصاعق: يترتب على حدث البجعة السوداء عادةً عواقب وخيمة ربما لا تتناسب أحيانًا مع حجم الحدث نفسه. يُترجم ذلك في عالم المال إلى انهيارات مفاجئة في أسواق الأسهم، أو إفلاس المؤسسات العملاقة، أو حتى وقوع الاقتصاد العالمي في براثن الركود. ينزلق عالم المال سريعًا إلى حالة من الفوضى، بينما تُمحى تريليونات الدولارات بين غمضة عين وانتباهتها.
التنبؤ بأثر رجعي: يحاول بعض المحللين والخبراء تبرير كيفية توقع حدث البجعة السوداء بعد وقوعه بالفعل، إلا أن طبيعة هذه الأحداث تتحدى مثل هذه التنبؤات. وبرغم أن بعض النماذج والإشارات تلوح في الأفق قبل فترة من وقوع الحدث، ولكن يظل من المستحيل تقريبًا تصور وقوعه بهذا الحجم على أرض الواقع.
المخاطر المنهجية: تكشف أحداث البجعة السوداء عادةً عن مخاطر منهجية متأصلة تعذر اكتشافها في وقت سابق. على سبيل المثال، كشفت الأزمة المالية في عام 2008 عن الإفراط في استخدام الرافعة المالية والاعتماد على أدوات مالية معقدة يتعذر فهمها على معظم المستثمرين.
لذلك يعتبر التنبؤ بالتوقيت المحدد لوقوع حدث البجعة السوداء شبه مستحيل بسبب هذه الخصائص. برغم ذلك، يساعد فهم هذه السمات في الاستعداد لأسوأ السيناريوهات المحتملة في الأسواق المالية.
العواقب المالية وسلوك المستثمرين
تؤثر العواقب المالية لأحداث السوق بشكل كبير على سلوك المستثمرين، لاسيما أثناء فترات التقلبات الحادة، مثل تلك التي شهدناها مع أحداث البجعة السوداء. يتفاعل المستثمرون عادةً مع الكوارث المفاجئة التي تشهدها الأسواق عن طريق تكثيف عمليات البيع تحت وطأة الذعر والخوف من تكبد المزيد من الخسائر، وذلك كما رأينا خلال الأزمة المالية في عام 2008 وجائحة كوفيد-19 في 2020. يؤدي هذا السلوك إلى تفاقم خسائر السوق، وهو ما يحفز بدوره جولات متتالية من عمليات البيع تؤدي في نهاية المطاف إلى تعميق الأزمة. برغم ذلك، يتبنى المستثمر المتمرس نهجًا مخالفًا يعتمد على اقتناص فرص شراء الأصول المقومة بأقل من قيمتها العادلة.
وغالبًا ما يخلف التأثير النفسي لهذه الأحداث ندوبًا دائمة، والتي تؤدي إلى اتباع استراتيجيات استثمارية أكثر حذرًا في المستقبل. على سبيل المثال، قد يحول المستثمرون محافظهم نحو الأصول الآمنة مثل السندات أو الذهب بهدف حماية رأس المال. وبشكل عام، تجبر العواقب المالية الوخيمة الناجمة عن اضطرابات السوق المستثمرين على إعادة تقييم المخاطر، وتنويع محافظهم، وتبني استراتيجيات تحقق التوازن بين النمو وضرورات الحفاظ على رأس المال.
إدارة المخاطر (التنويع، واختبار الإجهاد، والتحوط من المخاطر، الحفاظ على السيولة)
برغم أن التنبؤ بوقوع أحداث البجعة السوداء يبدو دربًا من المستحيل، إلا أن إدارة المخاطر بطريقة استباقية يمكن أن تخفف من تأثيرها:
التنويع: يعتبر التنويع أحد الاستراتيجيات الأكثر استخدامًا في التخفيف من الآثار السلبية لأحداث البجعة السوداء. يستطيع المستثمر تقليل انكشافه على نقطة فشل واحدة من خلال توزيع الاستثمارات عبر فئات أصول، وقطاعات، ومناطق جغرافية مختلفة. على سبيل المثال، في الأوقات التي تشهد فيها أسواق الأسهم خسائر كبيرة، قد تحتفظ أصول أخرى مثل السندات أو السلع باستقرارها، وربما حتى ترتفع أثناء هذه الفترات المضطربة. يساعد التنويع أيضًا في إدارة مخاطر البجعة السوداء في سوق الأسهم، حيث قد تصبح قطاعات معينة أكثر عرضة للاضطرابات من غيرها. وإجمالاً، يساعد امتلاك محفظة متنوعة في تخفيف الآثار الكلية لانهيار السوق بشكل مفاجئ وغير متوقع. اطلع على رؤى حول اتجاهات السوق وتعلم كيف تتقلب أسعار الأسهم هنا.
اختبار الإجهاد: اختبار الضغط أو الإجهاد هو أداة أخرى يستخدمها المستثمرون والمؤسسات المالية للاستعداد لوقوع أحداث البجعة السوداء. ينطوي هذا الاختبار على محاكاة السيناريوهات الأكثر تطرفًا بحيث تتيح للمستثمرين تقييم أداء محافظهم تحت ظروف السوق الاستثنائية. يسمح هذا النهج للمستثمر أيضًا بتعديل حيازاته واستراتيجياته بهدف تقليل الخسائر المحتملة في حالة وقوع حدث البجعة السوداء. كما تساعد اختبارات الإجهاد المؤسسات المالية في تحديد نقاط الضعف التي تعتري عملياتها وضمان توفر احتياطيات كافية من رأس المال للبقاء على قيد الحياة أثناء الأزمة. قد تفرض الحكومات في بعض الأحيان على البنوك إجراء اختبارات الإجهاد بشكل دوري للحفاظ على استقرار النظام المالي.
التحوط من مخاطر الذيل: هي استراتيجية أكثر تخصصًا تهدف إلى حماية المحافظ الاستثمارية من تحركات السوق المتطرفة. ينطوي ذلك على استخدام أدوات مالية مثل الخيارات أو المشتقات، والتي يمكنها أن تحقق أرباح من قفزات السعر الكبرى. وبرغم أن توظيف هذه الاستراتيجيات قد يكون مكلفًا بالنسبة للمستثمر، إلا أنها تقدم درع حماية من التعرض لخسائر فادحة أثناء أحداث البجعة السوداء. يشتري بعض المستثمرين خيارات التحوط من مخاطر الذيل، والتي تزيد قيمتها عندما يتراجع السوق بشكل حاد بهدف إنشاء حاجز للحماية من مواجهة خسائر لا يمكن تحملها. تتسم هذه الاستراتيجيات عادةً بدرجة عالية من التعقيد، ولكنها توفر حماية إضافية في الأوقات المضطربة.
الحفاظ على السيولة: يعتبر الحفاظ على السيولة هو الآخر أحد الأدوات الأساسية لمجابهة أحداث البجعة السوداء. قد يجد المستثمر نفسه “محبوسًا” في الأصول غير السائلة عندما تتجمد الأسواق، حيث يتعذر عليه بيع حيازاته بالسعر العادل. لذلك يعد الاحتفاظ بجزء من المحفظة في أصول سائلة، مثل النقدية أو الأوراق المالية عالية لسيولة، خطوة حاسمة تمنح المستثمر المرونة الضرورية للتصرف بسرعة في أوقات ضغوط السوق. كما يسمح توفر السيولة في فترات التقلبات الشديدة للمستثمر بالاستفادة من الفرص التي قد تظهر مع انخفاض الأسعار إلى مستويات لا تعكس القيمة الحقيقية للأصول المتعثرة. ننصحك بالاطلاع على قسم “الأسواق المالية ” على موقعنا الإلكتروني للتعرف على الأسواق والأصول التي يمكنك تداولها مع FXGT.com.
خاتمة
تتسم أحداث البجعة السوداء بالندرة وصعوبة التنبؤ بها، وذلك برغم ما يصاحبها آثار عميقة على الأسواق المالية والاقتصادات العالمية. من المهم للغاية أن تفهم
ماهية هذه الأحداث وآلياتها لحماية محفظتك من تلك الاضطرابات المفاجئة. وبرغم صعوبة التنبؤ بوقوع هذه الأحداث، إلا أن هناك استراتيجيات يمكن أن تساعدك على تقليل الأضرار المحتملة مثل التنويع، واختبار الإجهاد، والتحوط من مخاطر الذيل، والاحتفاظ ببعض السيولة.
لا توجد خطة يمكن أن تحميك تمامًا من مخاطر أحداث البجعة السوداء، إلا أن الاستعداد الجيد سيساعدك على التعامل مع الاضطرابات الناجمة بثقة أكبر. كما يتيح لك استخدام استراتيجيات إدارة المخاطر المذكورة آنفًا بناء محفظة أكثر قوة وجاهزية للتعامل مع التحديات غير المتوقعة.
سجِل اليوم للاستفادة من ميزة الوصول إلى موارد حصرية، ومكافآت مذهلة، وأدوات متقدمة، وفريق دعم من خبراء الصناعة مُكرس لخدمتك. تداول أصول مختلفة عبر أسواق متعددة، بما في ذلك عقود الفروقات على الفوركس، الأسهم، العملات الرقمية، سلع الطاقة، المعادن والعديد غيرها. ابدأ وتحكم في مستقبلك المالي!
إخلاء المسؤولية: أي مواد أو معلومات منشورة هنا مُخصصة لأغراض تسويقية عامة فحسب، ولا تُشكل نصيحة أو توصية استثمارية أو دعوة لشراء أي أداة مالية و/أو المشاركة في أي معاملة مالية. المستثمر هو المسؤول الوحيد عن مخاطر قراراته الاستثمارية، وإذا ارتأى أن أي استثمار مناسب من وجهة نظره، ينبغي عليه طلب استشارة مهنية مستقلة بخصوص ذلك قبل اتخاذ أي قرار. لا تضع التحليلات والتعليقات المقدمة هنا في الاعتبار أهدافك الاستثمارية أو ظروفك المالية أو احتياجاتك الشخصية. يرجى قراءة إخلاء المسؤولية عن أبحاث الاستثمار غير المستقلة كاملًا من هنا.
الإفصاح عن المخاطر: عقود الفروقات هي أدوات مالية مركبة وتنطوي على مخاطر مرتفعة لخسارة أموالك بسرعة. اقرأ بيان الإفصاح عن المخاطر كاملاً هنا.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة على موقعنا الإلكتروني.
، وتؤكد أنك لست مقيمًا في الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة بما يتماشى مع سياستنا بعدم تقديم الخدمات المالية في تلك المناطق. سياسة ملفات تعريف الارتباط بالنقر على “موافق”، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط كما هو موضح في
تداول المنتجات بالرافعة المالية قد لا يكون مناسبًا للجميع وقد يؤدي إلى خسارة رأس المال بالكامل. يرجى التأكد من أنك تفهم تمامًا المخاطر التي ينطوي عليها وما إذا كان التداول مناسبًا لك من عدمه. اقرأ بيان الإفصاح الكامل عن المخاطر من هنا.