استُخدمت نظرية موجات إليوت على نطاق واسع كأداة للتحليل الفني لعقود من الزمان، حيث ساعدت المتداولين على فك شفرة السوق من خلال عدسات علم النفس الجماعي، أو ما يُطلق عليه سيكولوجية القطيع. ولكن ما هي نظرية موجات إليوت، وآليات عملها، وكيف يمكن للمتداول تطبيقها بفاعلية في مختلف الأسواق المالية؟ سنستكشف في هذه المقالة تاريخ نظرية إليوت، ومبادئها الرئيسية، وتقنياتها المتقدمة، وتطبيقاتها الواقعية في الأسواق المالية مثل الفوركس،الأسهم، والعملات الرقمية.
ما هي نظرية موجات إليوت؟
تتمحور نظرية موجات إليوت حول فكرة أن الأسواق تتحرك في دورات أو “موجات”، وذلك باعتبارها انعكاسًا لمعنويات المستثمرين.
وفقًا لافتراضات هذه النظرية، تتبع تحركات الأسعار أنماطًا متكررة تتوافق مع سيكولوجية القطيع. تفترض النظرية نوعان رئيسيان من الموجات هما:
- الموجات الدافعة: تتحرك هذه الموجات في اتجاه الترند الرئيسي وتتكون من خمس موجات أصغر.
- موجات تصحيحية: تتحرك هذه الموجات في عكس اتجاه الترند الرئيسي وتتكون من ثلاث موجات أصغر.
تتألف دورة موجة إليوت الكاملة عادةً من خمس موجات دافعة وثلاث موجات تصحيحية. تكون هذه الأنماط كسرية (فراكتل)، بمعنى أنه يمكن رؤيتها عبر أطر زمنية مختلفة، من الدقائق وحتى السنوات. يستخدم المتداول هذا الهيكل للتنبؤ بتحركات الأسعار، وتحديد نقاط الدخول والخروج المحتملة، وتحديد التوقيت الأمثل لصفقاته بدقة.
نبذة تاريخية عن أصول النظرية التي طورها رالف نيلسون إليوت
يعود تاريخ نظرية موجات إليوت إلى ثلاثينيات القرن الماضي عندما اكتشف المحاسب رالف نيلسون إليوت أن الأسواق المالية ليست فوضوية كما تبدو للوهلة الأولى. وأدرك إليوت بعد سنوات من التحليل المتعمق أن أسعار السوق تتبع نمط الموجة بشكل محدد ومتكرر، وهو ما فسره بسيكولوجية القطيع السائدة بين المستثمرين. نشر رالف نتائج تحليلاته في كتاب بعنوان “مبادئ الموجة (1938)” والذي شرح من خلاله كيف تتطور اتجاهات السوق بطريقة تشبه الموجات.
استوحى إليوت فكرته من نظرية داو، والتي أشارت أيضًا إلى أن الأسواق تتحرك في اتجاهات، لكن إليوت ذهب إلى أبعد من ذلك بإضافة فكرة الفركتلات وتسلسل الموجات التي يمكن تطبيقها على مستويات مختلفة من تحليل السوق. لم يحظَ عمل إليوت بشهرة واسعة خلال حياته، لكنه اكتسب شعبية في فترات لاحقة، خاصةً بعد أن طبق محللون مثل ايه جي فروست وروبرت بريشتر مبادئ النظرية للتنبؤ بالسوق الصاعدة في عقد الثمانينيات.
المبادئ الرئيسية لنظرية موجات إليوت
تستند نظرية موجات إليوت إلى عدة مبادئ أساسية تقدم بدورها طريقة منظمة لتفسير تحركات السوق.
بنية الموجة 5-3: تتكون اتجاهات السوق عادةً من خمس موجات في نفس اتجاه الترند، تليها ثلاث موجات تصحيحية. يُطلق على تسلسل الموجات الخمس مرحلة “الدافعة”، فيما تمثل الموجات الثلاث الارتدادية المرحلة “التصحيحية”.
الفركتلات ودرجات الموجة: تشير النظرية إلى أن موجات السوق ذات طبيعة كسورية “فركتلات”، ما يعني أن هذه النماذج قد تظهر على جميع الأطر الزمنية — من مخطط الدقيقة الواحدة إلى الرسم البياني الشهري. تنقسم هذه الموجات إلى درجات مختلفة، من “الدورة الفائقة الكبرى” إلى موجات أصغر مثل “الدقيقة”.
نسب فيبوناتشي: تُدمج نظرية موجات إليوت عادةً مستويات تصحيح وامتداد فيبوناتشي للتنبؤ بأهداف الموجة ومناطق التصحيح. على سبيل المثال، تتواجد الموجة الثالثة في المرحلة الدافعة عادةً عند 161.8% من الموجة الأولى، فيما ترتد الموجة التصحيحية بنسب 38.2% أو 50% أو 61.8% من الموجة السابقة.
سيكولوجية السوق: تتوافق كل موجة من موجات إليوت مع التغيرات التي تشهدها سيكولوجية المستثمر، من التفاؤل إلى التشاؤم. الفكرة هنا هي أن السلوك البشري يميل إلى تكرار نفسه، ما يؤدي إلى أنماط موجية يمكن التنبؤ بها بمرور الوقت.
التطبيق العملي في التداول
دعنا الآن نُلقي نظرة على كيفية تطبيق المتداول لنظرية موجات إليوت على سيناريوهات السوق الفعلية. تُستخدم النظرية على نطاق واسع في تداول الفوركس والأسهم والعملات الرقمية — حيث تُظهر جميع هذه الأسواق نوعية التقلبات السعرية والاتجاهات الضرورية لإجراء التحليل الموجي بشكل فعال.
سيناريو سوق الفوركس: مثال على زوج اليورو دولار
تخيل أن متداول بصدد تحليل زوج EUR/USD، وكان يرى أن السوق يتحرك في إطار اتجاه صعودي قوي، وأكمل بالفعل نموذج لموجة خماسية دافعة. يتوقع المتداول في هذه الحالة أن السوق سيدخل في مرحلة تصحيحية يعكسها هيكل الموجة A-B-C. ومن خلال تطبيق مستويات ارتداد فيبوناتشي، يتوقع المتداول أن الموجة C ستنتهي بالقرب من حاجز الارتداد 61.8% من الموجة الدافعة السابقة المكونة من خمس موجات.
- نقطة الدخول: يدخل المتداول في مركز شراء مع اقتراب التصحيح من نهايته، على حدود حاجز الارتداد 61.8%.
- إيقاف الخسارة: يضع المتداول أمر إيقاف الخسارة أسفل الموجة C مباشرةً لحماية نفسه في حال استأنف السوق اتجاهه الصاعد.
- الهدف: يضع المتداول هدف الربح بالقرب من القمة السابقة، أو أعلاها قليلاً، على أساس التوقع بالبدء في موجة دافعة جديدة.
يُظهر هذا السيناريو كيف يمكن أن تساعد نظرية موجات إليوت المتداول في تحديد الوقت المناسب للدخول وإدارة المخاطرة بكفاءة من خلال دمجها مع تصحيحات فيبوناتشي.
سيناريو سوق الأسهم: مثال على سهم أبل (AAPL)
دعنا نأخذ مثال على سهم Apple Inc. (AAPL). لنفترض أن المتداول خلُص إلى أن السهم قد أكمل نموذج موجة دافعة خماسية على الرسم البياني الأسبوعي. يلاحظ المتداول بعد ذلك بداية تصحيح ثلاثي الموجات A-B-C ويستعد لفتح صفقة على السهم مع نهاية الموجة C.
يستخدم المتداول نظرية موجات إليوت لتحليل سلوك الأسعار في الماضي وتأكيد أن الموجة C قد تُصحح إلى حدود مستوى فيبوناتشي 50%. وبناءً على تحليله، يقرر المتداول دخول السوق عند اكتمال الموجة C بهدف الاستفادة من بدء موجة دافعة جديدة.
- نقطة الدخول: يشتري المتداول سهم أبل مع اكتمال الموجة C.
- إيقاف الخسارة: يُوضع أمر إيقاف الخسارة أسفل الموجة C للحد من مخاطر الهبوط.
- الهدف: يستهدف المتداول وصول السعر لقمم جديدة على أساس التوقع ببدء موجة دافعة خماسية جديدة.
سيناريو سوق العملات الرقمية: مثال على البيتكوين
يمكن أن توفر نظرية موجات إليوت سياق منطقي ومطلوب بشدة لقفزات الأسعار في سوق العملات الرقمية الذي يشهد عادةً تذبذبات حادة. سيلاحظ المتداول عند تحليل البيتكوين اكتمال موجة دافعة خماسية على إطار اليومي، وهو ما يعني أن العملة الرقمية قد تبدأ في موجة تصحيحية.
تُصحِح البيتكوين بالفعل، بينما يتوقع المتداول انتهاء الموجة C على حدود حاجز ارتداد فيبوناتشي 38.2%. يستعد في هذه الحالة لفتح مركز شراء على أساس التوقع بالبدء في موجة صعودية جديدة.
- نقطة الدخول: يدخل المتداول بالفعل في صفقة شراء بمجرد وصول الموجة C إلى مستوى 38.2% وبدء ظهور إشارات الانعكاس.
- إيقاف الخسارة: يُوضع أمر إيقاف الخسارة أسفل الموجة C.
- الهدف: يستهدف المتداول وصول السعر إلى أحد مستويات امتداد فيبوناتشي، مثل 161.8%، بناءً على طول الموجة الدافعة السابقة.
المزيد من السيناريوهات العملية
سيناريو الفوركس: USD/JPY
دعنا نستكشف سيناريو لتداول زوج USD/JPY. يلاحظ المتداول هيكل موجة دافعة خماسية على إطار الأربع ساعات. أكمل السوق للتو الموجة 5، ويتوقع المتداول حدوث حركة تصحيحية. وبعد تطبيق مستويات ارتداد فيبوناتشي، يتنبأ المتداول بأن الحركة التصحيحية قد تصل إلى حدود المستوى 50%.
- نقطة الدخول: يدخل المتداول إلى السوق عند مستوى الارتداد 50% متوقعًا انتهاء الموجة.
- إيقاف الخسارة: يُوضع أمر إيقاف الخسارة أسفل القاع المتوقع للموجة C بقليل.
- الهدف: يستهدف المتداول الموجة 1 من الموجة الدافعة الجديدة، والتي من المتوقع أن تصل إلى 100% من الموجة 5.
سوق السلع: الذهب
يلاحظ المتداول في سوق الذهب أن سلسلة صعودية من خمس موجات قد انتهت للتو على الرسم البياني اليومي. ويتوقع في هذه الحالة ظهور حركة تصحيحية ثلاثية الموجات، لذلك يقرر الانتظار حتى تكتمل الموجة C عند أحد مستويات ارتداد فيبوناتشي الرئيسية (61.8%).
- نقطة الدخول: يدخل المتداول بالقرب من اكتمال الموجة C، والتي تشير إلى احتمال البدء في اتجاه صعودي جديد.
- إيقاف الخسارة: يوضع أمر إيقاف الخسارة أسفل قاع الموجة C.
- الهدف: يحدد المتداول هدفه عند قمة جديدة، متوقعًا أن تكسر الموجة الدافعة القادمة أعلى القمة السابقة.
تقنيات متقدمة في تحليل موجات إليوت
بمجرد أن يُتقن المتداول المبادئ الأساسية لموجات إليوت، يمكنه البدء في استكشاف تقنيات أكثر تقدمًا لصقل تحليلاته.
الامتدادات والاقتطاعات
يمتد نطاق الموجات أحيانًا، لاسيما الموجة 3، في إطار تسلسل الموجات الدافعة. تصل الموجة الممتدة 3 عادةً إلى حدود 161.8% أو 261.8% من الموجة 1، وهو ما يوفر فرصًا لتحقيق أرباح كبيرة. يتيح التعرف على الموجة الممتدة في وقت مبكر أن يستغل المتداول التحركات الكبيرة من بدايتها.
على النقيض من ذلك، تحدث الاقتطاعات عندما لا تتجاوز الموجة 5 قمة الموجة 3، حيث تعكس في هذه الحالة ضعف الاتجاه. يتوقع المتداول الذي يرصد موجة 5 مقتطعة حدوث تصحيح كبير أو انعكاس كامل للاتجاه.
المثلثات القطرية
تعتبر المثلثات القطرية أحد النماذج الأخرى المتقدمة التي تظهر في بداية أو نهاية الاتجاه. يظهر المثلث القطري الرائد في بداية اتجاه جديد، فيما يتشكل المثلث القطري النهائي في نهاية الموجة الخامسة ليعطي إشارة بحدوث انعكاس وشيك. يوفر التعرف على هذه النماذج إشارات تحذير مبكرة بشأن تحركات السوق الكبرى.
التصحيحات المركبة
في حين أن نموذج التصحيح البسيط A-B-C يعتبر شائعًا إلى حد كبير، قد تشهد الأسواق تصحيحات أكثر تعقيدًا تنطوي على تنويعات مختلفة مثل الزجزاج، والمسطحات، والمثلثات. تساعد قدرة المتداول على تحديد ما إذا كان التصحيح بسيطًا أم مركبًا في تجنب الدخول مبكرًا والانتظار حتى تهيئة ظروف أكثر موثوقية.
العلاقة بين الموجات
يستخدم متداولو موجات إليوت غالبًا امتدادات فيبوناتشي للتنبؤ بكيفية ارتباط الموجات مع بعضها البعض. على سبيل المثال، إذا كانت الموجة 1 تقيس 100 نقطة، فقد تمتد الموجة 3 إلى 161.8% من الموجة 1. يساعد فهم هذه النوعية من علاقات الارتباط المتداول في وضع أهدافه بطريقة أكثر دقة.
قيود نظرية موجات إليوت والانتقادات الموجهة لها

برغم شعبيتها الواسعة، تنطبق بعض القيود على نظرية موجات إليوت، لاسيما تلك المتعلقة باعتبارات الموضوعية. غالبًا ما يخضع ترقيم الموجات للتفسير الشخصي، وهو ما يخلق تصورات مختلفة لنفس الرسم البياني من متداول إلى آخر. قد يؤدي ذلك إلى توقعات وإِشارات متضاربة.
أحد الانتقادات الأخرى ترى أن نظرية موجات إليوت تعمل بشكل أفضل في الأسواق الاتجاهية، على النقيض من ذلك، تصبح النظرية أقل موثوقية في الأسواق العرضية أو تلك التي تشهد حركة سعر متقلبة. علاوة على ذلك، يعتبر الإفراط في التنقيح أحد المشكلات الشائعة، حيث يفرض المتداول ترقيم الموجات بشكل تعسفي لتناسب توقعاته، حتى عندما لا يتبع السوق بشكل واضح موجات إليوت في مرحلة معينة.
وأخيرًا، يمكن أن تعطي نظرية موجات إليوت إشارات متأخرة. ففي الوقت الذي يرصد فيه المتداول اكتمال موجة دافعة خماسية، يكون قد انتهى الجزء الأكبر من الاتجاه بالفعل. لهذا السبب يحرص العديد من المتداولين على الجمع بين موجات إليوت ومؤشرات فنية أخرى لتأكيد نقاط الدخول.
خاتمة
توفر نظرية موجات إليوت للمتداولين نهجًا منظمًا لفهم تحركات السوق من خلال تحليل سيكولوجية الجمهور. يتيح إتقان المبادئ الأساسية والمتقدمة للنظرية أن يتوقع المتداول اتجاهات السعر بشكل أفضل، ويكون قادرًا على رصد فرص التداول المربحة. ولكن برغم أن نظرية موجات إليوت تعتبر أداة مفيدة، ينبغي الحرص على دمجها مع مؤشرات فنية أخرى وأن يكون المتداول على دراية بحدود استخدام النظرية، لاسيما في الأسواق العرضية.
يمكن أن تكون نظرية موجات إليوت أداة جوهرية في التعامل مع الأسواق المالية وتعزيز فرص نجاح المتداول عند تطبيقها بطريقة احترافية، كما أوضحنا آنفًا عند استعراض السيناريوهات العملية في أسواق الفوركس والأسهم والعملات الرقمية.
للاطلاع على ملخص سريع حول المؤشرات الفنية الرئيسية، يرجى الرجوع إلى الدليل الأساسي للمؤشرات الفنية.
ابدأ رحلتك في عالم التداول من هنا.