كانت الأسماء المستعارة والألقاب التعبيرية جزءًا لا يتجزّأ من ثقافة التداول لسنوات طويلة. ويشيع حتى وقتنا الحاضر استخدام أسماء عامية مثل “الكابل”، و”تشانل”، و”السويسري” كجزء من مصطلحات التداول الرائجة في أوساط المتداولين. وبرغم أن قراءة ألقاب أزواج العملات للمرة الأولى في إحدى الصحف المالية أو عناوين الأخبار قد يبدو مربكًا، إلا أنها في واقع الأمر تستمد معناها من بعض الأحداث التاريخية أو السمات الاقتصادية المميزة.
برغم ذلك، تظل هذه الألقاب مفيدة للمتداولين الراغبين في الإشارة إلى أزواج العملات بطريقة سريعة ومترابطة، أو خلق جو من الأُلفة في التعامل مع تلك الأزواج بين المتداولين. وبما أنه من المفيد دائمًا أن تكون على دراية بكافة مصطلحات التداول، وفهم أهمية كل منها، دعنا إذًا نتعمق أكثر في فهم الأسماء المستعارة لأزواج العملات الأكثر شهرة، وكيف حصل كل منها على لقبه في اللغة الدارجة.
الكابل GBP/USD

تعود جذور لقب الكابل أو ‘Cable’، والذي يمثل زوج الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي (GBP/USD)، إلى تمديد أول كابل بين الولايات المتحدة وبريطانيا عبر المحيط الأطلسي في عام 1866. وربط هذا الكابل بين لندن ونيويورك ليسمح بتبادل الاتصالات التلغرافية بشكل فوري بين أكبر مركزين ماليين في العالم. مثلت هذه الخطوة قفزة في المجال التقني وحظيت بأهمية بالغة في ذلك الوقت، حيث أتاحت للمرة الأولى إجراء معاملات سريعة بين الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي.
وبرغم أن التاريخ والتقدم التكنولوجي تجاوزا هذا الكابل العتيق، إلا أن اللقب ظل عالقًا وأصبح مرادفًا لزوج GBP/USD. ويستخدم المتداولون والمحللون الماليون حتى يومنا هذا “الكابل” كاختصار للزوج، حتى برغم استبدال وسائل الاتصال التلغرافية بأساليب أكثر حداثة منذ سنوات طويلة، وهو ما يعكس النجاح في ترسيخ هذا المصطلح في وجدان المستثمرين.
الفايبر – EUR/USD
على غرار GBP/USD، حصل زوج العملات EUR/USD على لقب الفايبر أو ‘Fiber’ بعد مد أول كابل للألياف الضوئية في أواخر التسعينات بين أوروبا والولايات المتحدة. ويعكس هذا اللقب أنَّ تداولات زوج EUR/USD تستند إلى بنية تحتية راسخة ومتطورة بالقدر الذي يضمن سلاسة المعاملات المالية. وربما يُفسِّر هذا المستوى الراقي من السرعة والموثوقية ضخامة أحجام التداول بين اليورو والدولار الأمريكي، ما يجعل لقب “الفايبر” ينسجم تمامًا مع ما يشير إليه.
تشانل – EUR/GBP
تشانل أو ‘Chunnel’ هو الاسم المستعار الذي منحه المتداولون لزوج اليورو مقابل الجنيه الإسترليني (EUR/GBP)، وهو يمثل اختصارًا لنفق القناة (Channel Tunnel) التي تربط بين المملكة المتحدة وفرنسا. يُعد هذا النفق أعجوبة هندسية حيث يُسهل نقل البضائع والأشخاص بين المملكة المتحدة وأوروبا. لذا يعد Chunnel رمزًا على العلاقات الوثيقة بين القويتين الاقتصاديتين، والتي تنطوي على حجم هائل من التبادل التجاري. كما يسلط الاسم المستعار للزوج الضوء على الدور الذي يلعبه في تسهيل تبادل العملات.
نينجا – USD/JPY

يشتهر زوج الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني (USD/JPY) بتحركات الأسعار السريعة والعصية على التنبؤ في بعض الأحيان، لذا أُطلق عليه لقب نينجا أو ‘Ninja’. ويسلط هذا المصطلح العامي الضوء على التراث الثقافي الياباني، كما يعكس النهج الاستراتيجي الذي ينبغي على المتداولين اتباعه عند تداول USD/JPY.
تؤثر الولايات المتحدة واليابان بشكل كبير على المشهد المالي العالمي، لذا يعكس زوج “نينجا” تلك الأهمية الاقتصادية. الجدير بالذكر أن الدولار الأمريكي والين الياباني يمثلان “ملاذًا آمنًا” لمتداولي العملات في جميع أنحاء العالم، كما تشتهر كلتا العملتين بتفاعلها السريع مع الأخبار المالية والتقارير الاقتصادية.
علاوة على ذلك، يحفز تباين السياسات النقدية بين الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك اليابان ردود أفعال السوق بشكل ملحوظ. لذلك يراقب المتداولون عن كثب التغيرات في السياسات النقدية المرتبطة بكلا العملتين بُغية الاستفادة منها في توقع التحركات السريعة للزوج.
Loonie – USD/CAD
جاءت التسمية العامية ‘Loonie’ لزوج الدولار الأمريكي مقابل الدولار الكندي (USD/CAD) من عملة الدولار الواحد الكندي، والتي تحتوي على الغمّاسة أو Loon، وهو طائر موطنه الأراضي الكندية، على جانبها الخلفي. بدأ تقديم هذه العملة المعدنية في عام 1987 كبديل للنسخة الورقية من الدولار الكندي، وسرعان ما اكتسبت الاسم المستعار ‘Loonie’ باعتباره لقبًا يعبر عن زوج العملات USD/CAD.
فيما يتعلق بديناميكيات السوق، يتأرجح سعر ‘Loonie’ غالبًا بحسب اتجاهات سوق السلع، لا سيما النفط، حيث تُعد كندا أحد كبار منتجي النفط الخام. بالإضافة إلى ذلك، يلعب نمو الناتج المحلي الإجمالي، وأرقام الوظائف، وقرارات الفائدة التي يصدرها بنك كندا دورًا حاسمًا في تحديد سعر صرف الزوج، وهو ما يرسخ أهمية المصطلح العامي- ‘Loonie’.
السويسري- USD/CHF
السويسري أو ‘Swissy’ هو أيضًا الاسم العامي لأحد أزواج العملات الذي يحتل مكانة بارزة بين مصطلحات التداول. يشير هذا اللقب إلى زوج الدولار الأمريكي مقابل الفرنك السويسري (USD/CAD)، وقد نشأ من اختصار اسم سويسرا إلى “سويسري”. تشتهر البلاد باستقرارها السياسي واقتصادها القوي ونظامها المالي الراسخ، وهو ما ينعكس في سمات العملة ويدعم جاذبية الزوج في الأوقات التي يعاني فيها السوق من عدم اليقين.
علاوة على ذلك، يظل لقب “السويسري” عالقًا في أذهان المتداولين بسبب بساطته وسهولة تذكره. كما يسلط استخدامه بشكل دائم الضوء على المكانة الراسخة التي يحتلها في إطار ثقافة التداول بفضل أهميته التاريخية وتطبيقاته العملية.
الأسترالي والكيوي – AUD/USD و NZD/USD
تعتبر مصطلحات ‘Aussie’ (AUD/USD) و‘Kiwi’ (NZD/USD) من الأسماء العامية لأزواج العملات التي تتميز بأنها متجذرة بعمق في الهويات الثقافية لبلدانها. يشير ‘Aussie’ إلى أي شيء “أسترالي”، والذي يمثل في هذه الحالة العملة الوطنية، فيما يشير المصطلح الثاني إلى طائر لا يطير يُدعى “كيوي”، والذي تُطبع صورته على أحد وجهي العملة المعدنية النيوزيلاندية من فئة الدولار الواحد.
ويجد ‘Aussie’ دعمًا من الوضع الاقتصادي في أستراليا والسلع الرئيسية، مثل خام الحديد والذهب. تعكس قيمة زوج العملات مؤشرات رئيسية مثل معدل البطالة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، وقرارات بنك الاحتياطي الأسترالي. كما يعكس سعره أيضًا معنويات المستثمرين حول العالم بسبب العلاقات الاقتصادية القوية بين أستراليا والصين.
وبالمثل، يتحدد مصير “الكيوي” بأداء القطاع الزراعي في نيوزيلاندا، لا سيما صادرات الألبان. يتأثر الكيوي أيضًا بأسعار السلع وشهية المستثمرين تجاه الأصول المرتبطة بالمخاطرة. لذلك يمكن القول أن كُلًا من الأسترالي والكيوي يتمتعان بشعبية كبيرة بفضل العوائد المرتفعة واختلافات أسعار الفائدة، ما يوفر مزيجًا فريدًا من الفرص والمخاطر الناجمة عن التقلبات المرتفعة.
ألقاب أخرى مثيرة لأزواج تداول العملات
تناولنا في السطور السابقة الأسماء المستعارة لبعض أزواج العملات الأكثر شهرة، إلّا أنّ هناك عدد غير قليل من الألقاب الأخرى التي تستحق ذكرها اليوم. لذلك، دعنا نلقي نظرة سريعة على الأسماء العامية لأزواج العملات التي تحظى بخلفية فريدة وأهمية معتبرة في السوق.
على سبيل المثال، يُعتبر مصطلح العملة الخضراء أو ‘Greenback’ أحد الألقاب المعروفة للدولار الأمريكي، والذي ظهر في القرن التاسع عشر بسبب استخدام الحبر الأخضر في سك النقود الورقية خلال فترة الحرب الأهلية. أصبح هذا اللقب مرادفًا للدولار الأمريكي حتى الآن في إشارة على الدور المهيمن الذي يلعبه في أوصال الاقتصاد العالمي.
يشير ‘Looner’ إلى زوج العملات الدولار الكندي مقابل الين الياباني (CAD/JPY)، والذي يجمع بين لقب الدولار الكندي ‘Loonie’ والين الياباني. وكما هو الحال مع لقب ‘Loonie’، يشتهر الزوج بحساسيته لأسعار السلع، لا سيما النفط الخام. كما يراقبه المتداولون عن كثب بسبب تفاعله مع المؤشرات الاقتصادية في كُل من كندا واليابان.
وأخيًرًا، يشير ‘Guppy’ إلى زوج العملات الجنيه الإسترليني مقابل الين الياباني (GBP/JPY)، والذي يتميز بطبيعته المتقلبة. يشهد ‘Guppy’ عادةً قفزات سعرية نتيجة التطورات الاقتصادية في المملكة المتحدة واليابان؛ لذا يتطلب تداول هذا الزوج اتباع قواعد إدارة المخاطرة بمنتهى الحذر لأن اتجاهاته تشهد تحولات بين طرفة عين وانتباهتها.
خاتمة
تعتبر الأسماء المستعارة لأزواج العملات بمثابة اختصارات عملية مصحوبةً بقدر من العمق الثقافي والسمات المميزة لتجربة التداول. كما تضفي تلك الألقاب طابعًا شخصيًا على الأسواق، وهو ما يعزز فهم علاقات الارتباط بين مكونات الاقتصاد العالمي. وتعمل مصطلحات مثل “الكابل” و”الفايبر” ذوي الخلفية التاريخية، و”نينجا” و”Loonie” ذات العمق الثقافي، على إثراء رؤى السوق ومساعدة المتداولين في تحديد أزواج العملات المختلفة ورصد علاقات الارتباط بينها بسرعة.
علاوة على ذلك، تجسد هذه الألقاب جوهر التفاعلات الاقتصادية، كما تفسر كيف شكلت الأحداث التاريخية والعلاقات الاقتصادية والهويات الثقافية المشهد المالي كما نعرفه الآن. وتجعل تلك الأرقام من تداول الفوركس ليس مجرد مهمة فنية فحسب، بل يتحول إلى سرد ممتع يعكس الترابط بين الاقتصادات العالمية.